top of page

من يوميات فتاة تعيش وسط الحرب



ابنة إدلب.




البوستر من تصميم رسامة الكاريكاتير أماني العلي.

ملاحظة: كُتبت هذه المقالة قبل سقوط نظام الأسد وانتصار الثورة وتحرير سوريا.


كان فجر الثلاثاء، الثالث من تشرين الثاني لعام ٢٠٢٠، استيقظنا جميعاً عند الرابعة على غير العادة، لا لنصلي الفجر، بل بسبب أصوات قوية لم ندرك مصدرها في البداية،  لكن سرعان ما بدأنا نفهم أنها أصوات الحرب التي لم نعتد عليها من قبل، والتي اختلطت في الشوارع مع أصوات الناس والسيارات وبكاء الأطفال وصراخ النساء.


عندها عرفنا أنه لن تكون هناك راحة أو أمل أو أي نوع من أنواع الهدوء بعدها. بعد قليل ه‍دأت الأصوات قليلاً، فبدأ الناس بحزم أمتعتهم التي يستطيعون حملها ليغادروا قريتهم ومنازلهم وكل شيء يملكونه حفاظأ على حياتهم وحياة كل فرد من أفراد عوائلهم. وهنا بدأ الصراع في العائلة بين أن نغادر أو نبقى ونصبر على أمل أن لا يحدث شيء ولا نضطر أن نصبح بلا مأوى ونكون غرباء في وطننا.


أراد أبي أن يأخذنا إلى مكان أكثر أمانا في نظره، على أن يبقى هو في المنزل، أمي لم تكن  لتتركه وحده ولم تشأ مغادرة منزلها الذي عاشت فيه أكثر من عشرين سنة، بينما أراد أخي الأكبر أن يخرجنا إلى مكان آمن ويبقى مع أبي، إخوتي الصغار كانوا يبكون خوفاً من الأوضاع و يقولون: "خلونا نطلع ما بدنا نموت"، أما أنا، فلم أشأ أن أغادر بيتي ولا غرفتي ولا سريري الذي اعتدت عليه طيلة حياتي، لكن كان هناك شعور يقول لي: إن حدث شيء لأحد من عائلتي فلن أستطيع تحمل عذاب الضمير. وبعد جدال طويل قررنا أن نبقى معا في المنزل ونصبر على أمل ألا يحدث شيء.

 

بقينا في المنزل، لكن حزمنا أمتعتنا تحسباً لأي طارى قد يحصل. وبعد العصر جاءت أخبار بأن الحارة التي نسكن فيها ستشهد تصعيداً خلال الليل، حينها اتخذنا القرار الأسهل بالنسبة للجميع: أن نغادر هذه الليلة إلى الحارة الأخرى من القرية ونبقى عند أحد الأقارب، وبالفعل بدأنا نتجهز: أبي يساعد أمه على المشي لإيصالها إلى السيارة، أمي تمسك إخوتي الصغار، أختي تحمل كتبها المدرسية التي كانت تمضي وقتها في دراستها للحصول على الشهادة الثانوية، أخي يحمل طفلته التي انتظر قدومها إلى هذه الحياة خمس سنوات، بينا وأنا وأخي الثاني كنا نحمل الطعام الذي أعددناه ولم يكن هناك وقت لتناوله في المنزل.


ذهبنا إلى بيت خالتي، استقبلتنا وأمضينا ساعات من الحديث عن الأوضاع والأخبار، وفجأة تذكرت أنني لم أحضر المال الذي عملت وادخرته على مدار فترة من الزمن، وأنه يجب أن تفتح نوافذ المنزل قليلاً لكي لا تنكسر جراء القصف. ألحّيت على أمي إلى  أن اقتنعت شرط أن أذهب إلى المنزل مع أخي لمدة قصيرة وأعود. ذهبنا، ومن شدة الظلام لم أرَ شيئاً؛ ولم يكن هناك ضوء يصدر من أي منزل أو عمود إنارة في الشارع، ولم يكن هناك أي شخص يشعل ضوءاً خوفاً من أن يحدث له مكروه أو يطاله القصف. وصلنا الى المنزل، أنهينا ما أتينا من أجله وعدنا بسرعة إلى بيت خالتي والأخبار تتوارد عما يمكن أن يحدث خلال الليل، لا أعرف كيف أمضينا ليلتنا تلك.


ولكن وبفضل الله اشرقت الشمس من جديد علينا، لكن حارتنا أصبحت خالية من أي نوع من أنواع الحياة، وبقينا هكذا لفترة لاندري هل نبقى ونتمسك بأرضنا أم نغادر، وما زلنا فيها حتى اليوم، نعيش عذابات الحرب، ونكبر في مكان نسترق فيه الأمان استراقاً، ونراقب فيه مستقبلاً لا نعرف كيف سيكون، وأنا مع مرور كل يوم أتساءل: ترى ما هي العدالة التي أريدها؟ وكيف يمكن أن نبلغ العدالة في بلدي؟ ثم أغفو وأنا على يقين أنه لا عدالة في هذه الأرض.



ابنة إدلب.

٥ مشاهدات

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page