top of page

مؤتمر مؤسسات المجتمع المدني السوري حول ملف الأسلحة الكيميائية - تقرير



د. ياسمين نحلاوي.





اللوحة من عمل الفنانة السورية ديمة نشاوي.


خلال خريف عام 2023، قدم أعضاء من مجموعة من منظمات المجتمع السوري، منها المجلس السوري البريطاني، والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ومنظمة نساء الآن، طلبات لحضور المؤتمر السنوي للدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، الذي عقد بين 27 تشرين الثاني/نوفمبر و1 كانون الأول/ديسمبر في لاهاي. لكن جميع طلباتهم رُفضت على الرغم من أن سوريا تحتل مكانة بارزة في جدول أعمال المؤتمر، وبالرغم من أن المجتمع المدني السوري يشكل جزءا مباشراً من أصحاب المصلحة في هذا السياق. ردًا على هذا الرفض الشامل، نظمت مجموعة من المنظمات السورية "مؤتمر المجتمع المدني السوري حول ملف الأسلحة الكيميائية" في 23 نوفمبر في منطقة قريبة من مقر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي. ضمَّ المؤتمر متحدثين سوريين وغير سوريين، رجالًا ونساء، وكان مكرسًا لمناقشة آثار الهجمات الكيميائية والتواطؤ الدولي في عدم تفعيل الأدوات القانونية لوقف تلك الهجمات.


كان الموضوع الأساسي خلال المؤتمر هو خذلان المجتمع الدولي للسوريين. فقد تكررت الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا (بشكل رئيسي من قبل نظام الأسد) باستمرار ومن دون محاسبة، وهذه الهجمات يمكن أن تشكل جرائم حرب من خلال تصنيفها ضمن "استخدام السموم أو الأسلحة المسمومة"، أو "استخدام الغازات الخانقة أو السامة أو أي سوائل أو مواد أو أجهزة مماثلة"، أو "توجيه الهجمات بشكل متعمد ضد السكان المدنيين". ولم يتم تنفيذ القواعد والتفويضات القانونية المتاحة، بما في ذلك ثلاثة قرارات لمجلس الأمن الدولي تحظر بشكل خاص استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا (القرارات 2118 في أيلول/سبتمبر 2013، و2209 في آذار/مارس 2015، و2235 في آب/أغسطس 2015). بل لقد كانت هناك زيادة صادمة في الهجمات الكيميائية بعد اعتماد القرار 2118، واستمرت تلك الهجمات بعد اعتماد القرارين اللاحقين 2209 و 2235، وذلك وفقاً لفضل عبد الغني، مؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، اعتمادا على توثيق الشبكة السورية لحقوق الإنسان وتحليلها للهجمات الكيميائية في سوريا.


وقد أرسل السوريون المشاركون في المؤتمر رسالة واضحة، إذ أكدوا أن السوريين والمجتمع المدني السوري قد قاموا بكل ما في وسعهم لمكافحة استخدام الأسلحة الكيميائية وتخفيف تأثيراتها على المدنيين، وجمع الأدلة على استخدام الأسلحة الكيميائية وفقًا للمعايير القانونية، والدعوة إلى استخدام القوانين والأنظمة القائمة في الدول الأوروبية للضغط من أجل محاسبة الجناة. ولكنهم أكدوا أن مكافحة استخدام الأسلحة الكيميائية لا يمكن أن تتم بنجاح من قبل المجتمع المدني وحده، بل تتطلب استجابة على مستوى الدول، سواء من خلال منع الهجمات الكيميائية أو تنسيق الاستجابات الطارئة لاستخدام الأسلحة الكيميائية أو تعزيز الأدوات القانونية التي يمكن استخدامها للسعي إلى محاسبة مرتكبي الهجمات.


وأشار المتحدثون السوريون إلى الصدمة العميقة التي تركها استخدام الأسلحة الكيميائية على المجتمعات المتضررة، و أوضحوا أن نظام الأسد قد استخدم الهجمات الكيميائية بطريقة تهدف إلى تحقيق أقصى قدر من الضرر وإلى القضاء على كل أمل للضحايا. فعلى سبيل المثال تدفع الهجمات الكيميائية الأهالي إلى اللجوء إلى أماكن مرتفعة (مثل أسطح المباني)، لكن البراميل المتفجرة التي كانت تستخدم بكثرة كانت تدفعهم إلى الاحتماء تحت الأرض، وذلك جعلهم في حيرة من أمرهم إزاء التعامل مع الهجمات المختلفة. كما كانت الهجمات الكيميائية تحدث غالبا خلال فصل الصيف بحيث تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة انتشار المواد الكيميائية، وقبل شروق الشمس حين يكون المدنيون نائمين. إضافة إلى ذلك، كان المستجيبون الطبيون في الخطوط الأولى يشعرون بالعجز لأنهم لم يتمكنوا من تحديد العامل الكيميائي المستخدم في كل هجوم. فالكلور مثلاً له رائحة مميزة، لكن السارين ليس كذلك. وقد ساهمت كل هذه العوامل في إحداث صدمة عميقة لدى مجتمعات الضحايا تتراوح بين شعور الناجين بالذنب إلى اضطراب ما بعد الصدمة إلى الخوف الهائل والجماعي من تكرار الهجمات. علاوة على ذلك، تعرض الضحايا ومجتمعاتهم لصدمة مركبة، حيث اضطروا إلى تكرار شهاداتهم لإقناع القوى السياسية بأنهم بحاجة إلى الإمدادات الطبية وإمدادات الاستجابة الأولية، أو تكرارها لاحقاً لإثبات أنهم يستحقون العدالة ومحاسبة الجناة.


وقد كان الشعور بالخذلان واضحاً خلال المؤتمر. فقد ذكر الدكتور سليم نمور، رئيس رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية الذي كان يعمل في الاستجابة الطبية الميدانية خلال الهجمات الكيميائية على الغوطة الشرقية، أنه كان يشعر بالتحدي باستمرار أثناء معالجة ضحايا الهجمات الكيميائية في الغوطة الشرقية، لكنه لم يستسلم للإحساس بالعجز. لكن ذلك الإحساس بالتحدي تحول الآن إلى إحساس بالمرارة والخذلان نتيجة عدم تحرك المجتمع الدولي إزاء استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.


وقد ظهرت بارقة من الأمل في 16 تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٢٣ عندما أصدرت فرنسا مذكرة توقيف بحق الرئيس السوري بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد واثنين آخرين من مسؤولي نظامه بسبب الاشتباه في استخدامهم للأسلحة الكيميائية في سوريا. وهذه هي المرة الأولى التي تُصدر فيها دولة مذكرة توقيف بحق رئيس دولة ما يزال في منصبه. لكن تم التنبيه في المؤتمر إلى أن هذه القضية الفرنسية لم تكن ممكنة لولا أن أحد الضحايا الممثَّلين فيها يحمل الجنسية الفرنسية، ولم تكن تنطلق من مبدأ أساسي يقضي بأن الضحايا هم بشر يستحقون العدالة. وأكد المتحدثون السوريون والمشاركون في المؤتمر على مسؤولية الجهات الدولية في تحريك عجلة العدالة لضمان عدم تكرار هجمات الأسلحة الكيميائية وتحقيق العدالة لجميع ضحايا تلك الهجمات، بما في ذلك إقامة آلية جديدة لمكافحة الإفلات من العقاب على استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا.


وقد خرج المشاركون من المؤتمر برؤية واضحة حول تأثير استخدام الأسلحة الكيميائية على المجتمعات السورية، وجددوا العزم على السعي إلى محاسبة مرتكبي تلك الهجمات. وبالرغم من إدراكهم أن أصدقاء سوريا يتناقصون سنة بعد سنة، تعهد أعضاء المجتمع المدني السوري بالمضي قدمًا في النضال من أجل العدالة في سوريا، وسيستمرون في التضامن مع الشعوب المظلومة، بما في ذلك في غزة وأوكرانيا.


د. ياسمين نحلاوي.


٤٤ مشاهدة
bottom of page