top of page

شيطان في ثوب امرأة



م. س.


أيلول ٢٠٢٤


البوستر من تصميم رسامة الكاريكاتير أماني العلي.

ملاحظة: كُتبت هذه المقالة قبل سقوط نظام الأسد وانتصار الثورة وتحرير سوريا.


بعد الحادثة بخمس سنين وستة شهور - يوم المحكمة 

 شفتهن، شفتهن بعد ٣ سنين و١١ شهر. شفت المرأة اللي كنت شوفها متل أمي، شفت المرأة اللي كنت شوفها ملاك بس طلعت شيطان. بصراحة، ما بعرف كيف بدي أوصف شعوري لما شفتها. من لما دخلت على حياتي حولتها لجحيم.

 

قبل الحادثة بخمس سنين وخمسة شهور:  يوم اعتقال أمي

 كل شي بدأ بـ 11/11/2013 حوالي الساعة ستة العصر. كنا طالعين نتغدى أنا وماما وأختي وبابا، يمكن كانت هي أول مرة منطلع فيها سوا بعد طلاقهم. كنا طالعين مشان يتناقشوا بكم موضوع بخصوص أختي وطيشها. وصلنا على بوابة المنطقة الحرة بالشام، هونيك كان في حاجز أمني، طلبوا من أهلنا الهويات وطلبوا ننزّل الشبابيك.


أنا وأختي كنا كتير خايفين. أخذوا من ماما الموبايل وخلوها تنزل من السيارة. أنا وأختي صرنا نبكي كتير، مشان يسكّتونا نزلونا وأخدونا مع ماما. أول وجهة كانت بيت خالة ماما لأنه كان صارلنا فترة ساكنين عندها. فتشوا البيت بطريقة وحشية، أخذوا الشغلات اللي بدهم ياها (لابتوب الماما وموبايلاتها ومصاري الإغاثة اللي كانت موجودة عنا بالبيت)، وأخذوا معهم ماما. قالولنا إنهم رايحين يفتشوا بيت ستي وبعدين بيرجعوا. قلنا لهم: بدنا نروح معكم، وبعد إصرار قالوا لنا: امشوا، بس ماما ما خلّتنا لأنه كانت عارفة شو لح يصير ولوين آخدينها. يا ترى لو رحنا معهم شو كان صار؟


مر يوم، يومين، أسبوع، شهرين، أو يمكن أنا بهالفترة كنت حاسة إنهم هيك... ونحنا ما كنا نعرف ماما وين. كانت هي أول مرة نفترق عنها، أول مرة بيمضي يوم وما نسمع صوتها. بعدين عرفنا إنها بالفرع 215¹ بسبب أنها كانت تشتغل بأعمال الإغاثة وتساعد الناس، وهاد برأيهم كان تمويل للإرهاب. نقلوها على عدرا²، بعد كم يوم قدرنا نزورها. ما بقدر أوصف الشعور اللي حسيت فيه بهداك اليوم أو من قبل بيوم. بتذكر بليلتها ما قدرت نام، يمكن كانت هي أول مرة بفكر قبل ما نام، أول مرة بسهر كل هالقد. إجا الصبح وطلعنا بطريقنا على عدرا. كنت كتير مبسوطة ومتوتّرة، بس أكتر شي كنت مبسوطة فيه إنه لح أركب بالميكرو. وصلنا على عدرا عند سجن الرجال.


بين سجن الرجال وسجن النسوان مسافة مشي منيحة. نحنا وماشين كان لازم نمر من تحت سقف خشب وحاطين فوقو بوط عسكري. بهداك العمر ما كنت فاهمة هالشي شو بيعني، بس هلأ بفهمه كتير منيح وبشمأز منه: المعنى بكل بساطة انو هنن داعسين ع الشعب، وبحس انو هالشي كان بالأخص ليهينوا أهالي المعارضين. وصلنا على السجن، طبعاً ما بقدر أوصف المعاملة والذل اللي بيتعرضوله الأهالي لحتى يشوفوا ولادهم. فوتونا على قاعة مشان ننطر ماما هونيك. إجت، لهلأ ما بنسى النظرة اللي كانت بعيونها ولا كيف كان شكلها: شكل شخص مكسور.


بسبب اعتقال ماما اضطرينا ننتقل لعند بابا، أمي وأبي كانوا منفصلين من زمان، هالانتقال كان صعب كتير علي وعلى أختي اللي أكبر مني بـ 6 سنين. أنا كنت بعمر الـ ٨ سنين وأختي بعمر الـ ١٤. بابا كان ساكن عند بيت جدي وكان يطلع من الصبح وما يرجع للمسا، فقرر يجيب لنا مرت أب. بأول زيارة إجت فيها لعنا، حبيتها كتير. ما بعرف إذا حبيتها لأني كنت فاقدة شعور حنان الأم ولا لأنها كانت عم تطعميني لب البطيخ وأنا كنت طبوشة وحب بطني كتير؟ مرت الأيام وحبي لهالمرأة وتعلقي فيها يزيد كل يوم أكتر من اليوم اللي قبله.


بيوم من الأيام، قرر أبي يلجأ على بلجيكا وياخدني معه بما أني أنا الصغيرة. كنا مفكرين إنو هالشي رح يساعد بلم الشمل، وخصوصاً لما ماما تطلع من السجن. قبل بيومين من السفر، خاف أبي وما كان بدو ياخدني معه، بس مرتو أقنعتني أنو أحسن إذا بسافر معه لأنو ببلجيكا العيشة أحلى وإذا ضليت لح يستغلوني ببيت جدي تنظيف وغيره وغيره. يومها رحت لأقنع أبي وقلت له جملة لهلأ ما بنساها: “بابا، أنا عايشة بلا أم، ما بدي عيش بلا أب كمان” وصرنا نبكي.


قبل بكم يوم من السفر، طلعت لزور أمي بالسجن. كان يوم صعب كتير، لهلأ ما بنسى النظرة اللي كانت بعيونها.


بيوم السفر، طلعنا بالسيارة من سوريا على لبنان. أول حدا اشتقتله، بس كان آخر حدا بتوقع إني اشتقله، هو أختي. بهديك الفترة كنا أنا وياها أبداً مو صحبة، كان  على طول في خناقات كبيرة  بيننا، يمكن كان هاد الشي بسبب فرق العمر أو بسبب الظروف يلي كنا عم نتعرض لها، فما لقينا غير نتفشش ببعض لأن من جوا كنا أقرب الناس لبعض بس مو حاسين. بعد ما وصلنا على لبنان وصار معنا كتير قصص، أخدنا باخرة من لبنان على تركيا، ومن تركيا على اليونان بالبلم. كانت بصراحة أحلى مغامرة بحياتي. بعدها، طريق اللجوء المعتاد اللي كتير منا سلكه. وصلنا على بلجيكا، قدمنا لجوء وقعدنا بكامب³.


بعد فترة، إجت الإقامة وانتقلنا أنا وبابا على بيت. هون تحولت حياتي من حياة طفله همها تلعب وتضحك لحياة طفلة همها شو بدها تطبخ اليوم شلون بدها تنضف وتلحق تدرس كمان. لاحظوا هالشي علي بالمدرسة ونقلوني عند عائلة بلجيكية.


قبل الحادثة بسنتين وأربع شهور: لم الشمل 

 إجت أختي ومرت أبي الملاك، وخلوني أرجع أسكن مع بابا ومرته. كنت كتير مبسوطة، كان هالشي بالنسبة إلي حلم لأنو حياتي عند البلجيك كانت كتير منظمة وكتير في تحكم بوقت أكلي ووقت نومي وما كنت متعودة على هالشي. بس بسرعة تحول الحلم لكابوس صغير وبلشت المشاكل بين بابا ومرته وقرروا ينفصلوا. انحطيت بين خيارين: أسكن مع بابا وارجع لهديك الحياة ولا أسكن مع مرت أبي الملاك وأتدلل. بصراحة، أي طفل بعمري لح يفكر بالخيار التاني.


انتقلنا سوا على بيت صغير حلو ودافي وكنا مبسوطين. تعرفت طليقة أبي على زلمة وقرروا يتزوجوا بالسر، وأنا ما حكيت لحدا. هو كان باين شخص كتير حباب وكان يقلي دائماً “انتي مثل بنتي”. بس بعد ما تزوجوا، خف الدلال وما عاد اهتمت فيني متل قبل وانقلبت ١٨٠ درجة.


شهر نيسان 2019:  يوم الحادثة

كنت بالمطعم عند زوج طليقة أبي، كانت هي قاعدة على طاولة وأنا طالعة من الحمام، وهو طالع من المطبخ حضني، طبعا أنا الحضن بالنسبة إلي شي عادي وخصوصاً من شخص كبير بالعمر. بس الحضن طول أكتر من أي حضن عادي وباسني . أنا بعدت عنه وكملت طريقي ع الطاولة . تاني يوم حكيت لطليقة أبي، قالت لي: اي كنت عم خليه يشوف ميولك لأني شاكة فيكي!


بعد بيومين  صار شي  بشع ومقرف كتير وبحضور طليقة أبي ، وحلفتني على القرآن أنه ما خبر حدا.


صارت مرة بتجر مرة وصار هالشي روتيني يعني. حاولت أنتحر وقت يلي استوعبت أن الشي يلي عم يصير غلط وما كنت قدرانة أعمل شي. ما كنت قدرانة خبر حدا بما أنه حالفة على القرآن، وماما ما كان صرلها زمان ببلجيكا وكنت مفارقتها زمن طويل، يعني كانت بالنسبة إلي شخص غريب، وأختي كان صاير مشاكل بيني وبينها وما كنا نحكي مع بعض كتير.


بعد الحادثة بسنة وأربع شهور: إفراج

انتقلت وسكنت مع أمي عند أختي لفترة بينما أمي أخذت أوراقها واستأجرت بيت، بعدها قطعت علاقتي بشكل نهائي بطليقة بابا، بس بصراحة ما كانت عم تطلع من بالي ولا من أحلامي أو من كوابيسي. كانت دوامة كبيرة كتير ما عم أطلع منها، وكل مالي عم أغرق فيها أكتر وأكتر، ورجعت حاولت أنتحر بس كمان ما مشي الحال. 


بعد الحادثة بسنة و٨ شهور: فشة خلق

وحدة من رفقاتي (هي بتقرب طليقة أبي ) خبرتني كيف طليقة أبي عم تفرق بين امها وابوها، وكيف وصلتهن للطلاق، وكيف عم تخرب لها حياتها. أنا حبيت هوّن ع رفيقتي وفرجيها أنه مو بس هي الي اختربت حياتها من وراها، وأنه أنا أكبر ضحية لشيطنتها وخبرتها كل شي. كانت هي أول مرة بحكي عن الموضوع، وكان هالشي صعب كتير طبعاً. أقنعتني رفيقتي يلي أصلا عمها أكتر من مرة متحرش فيها أنه خبر أهلي، بس أنا ما قدرت. إجا راس السنة وكنا أنا وأختي متفقين نكتب همومنا ع ورقة ونحرقها. كتبت كل شي وما كنت بدي فرجيها لأختي بس غدرتني وقرتها وخبرت ماما. أقنعوني روح احكي مع المرشدة النفسية بالمدرسة، فرحت و أخدوني فوراً عالشرطة و قدّمت شكوى.


بعد الحادثة بخمس سنين وست شهور: ما بعد الضيق إلا الفرج

 رفضت القضية أول مرة بسبب إني ماعندي أدلة كافية،  بس عملنا استئناف عند القاضي وهلأ بعد أربع سنين طلع قرار المحكمة بالسجن ست سنين وعم ننطر تنفيذ الحكم.


بالنسبة إلي كانت هي التجربة صعبة كتير، ومستحيل يجي يوم وكون متخطية كل شي صار، بس بنفس الوقت تعلمت كتير شغلات منها، وتعلمت إني ما لازم أستسلم لو شو ما كان عم يصير معي، وعلمتني كون قد حالي.


بهداك الوقت كان المستقبل إلي ما له معنى، كنت بس عم فكر بالحاضر وعم فكر بالدوامة يلي كنت عم أغرق فيها وكيف بدي أطلع منها، وبالنسبة إلي كنت شايفة أنه أنهي حياتي هو أحسن حل وهاد الشي أكيد غلط.


كنت قبل كل محاولة انتحار فكر بأمي وأختي وأبي ورفيقتي وأكتب رسائل وداع ، هلئ لما بقرأهم بضحك كتير لأن ما بعرف شو كنت عم فكر بلحظتها. هلأ بنظر للمستقبل بطريقة إيجابية وحلمي أنه تكون قصتي عبرة لغيري.


¹ ٢١٥ هو فرع سرية المداهمة التابع للأمن العسكري.

² سجن عدرا هو سجن دمشق المركزي.

³ الكامب هو مركز سكن اللاجئين في مرحلة تقديم طلب اللجوء، إلى أن يحصلوا على اللجوء وينتقلوا لسكن مستقل.



م. س.


٥ مشاهدات

أحدث منشورات

عرض الكل

المقالات المنشورة على الموقع تعبر عن رأي الكاتبة فقط ولا يتبناها المركز أو القائمين على العمل

©Adalaty 2023 

bottom of page